تعد مكتبة الفاتيكان واحدة من أهم المراكز الثقافية في العالم، ليس فقط بسبب ارتباطها بالتراث المسيحي ولكن أيضاً لاحتوائها على مجموعات نادرة وثمينة من المخطوطات الإسلامية. هذه المخطوطات تمثل كنوزاً فريدة من نوعها تعكس الحضارة الإسلامية بكل تنوعها وثرائها الفكري.
يقول رجل الدين الشيعي السيد حسين صادق الحسيني الإشكوري: «تعد مكتبة الفاتيكان من أهم المكتبات في إيطاليا التي تحتوي على أكثر من مليون ونصف المليون كتاب مطبوع، وتزيد مخطوطاته على مائة وخمسين نسخة أكثرها باللغات الأوروبية، والعربية منها تقرب من الألف نسخة». وكان حسين الأشكوري قد زار مكتبة الفاتيكان بصحبة والده أحمد الحسيني الأشكوري وألف فهرساً لمجموعة من المخطوطات العربية المنتقاة من مكتبة الفاتيكان ونشر بعنوان «المخطوطات العربية في مكتبة الفاتيكان» (روما الفاتيكان).
في هذا المقال نستعرض تفاصيل عن مجموعة المخطوطات الإسلامية في مكتبة الفاتيكان، مع التركيز على بعضٍ من أبرز هذه المخطوطات.
يشير Daniel Esparza إلى أن مكتبة الفاتيكان الرسولية المعروفة باسم «VAT» تأسست بشكل رسمي سنة 1475، وذلك على الرغم من أنها في الواقع أقدم من ذلك بكثير.
ويؤكد أن المؤرخين يعتقدون أن جذور مكتبة الفاتيكان الرسولية ترجع إلى الأيام الأولى للمسيحية نفسها. والحقيقة أن المكتبة تقتني بعض المخطوطات من القرون الأولى للمسيحية. ويضيف: «تأسست المكتبة في قصر لاتيران في أواخر القرن الثالث عشر، ونمت بشكل كبير خلال بابوية بونيفاس الثامن الذي كان يمتلك واحدة من أكبر مجموعات المخطوطات المزخرفة في أوروبا».
في عام 1451م حاول البابا نيكولاس الخامس الذي كان من المولعين بالكتب إعادة تأسيس روما مركزاً أكاديمياً ذا أهمية عالمية، وهو الأمر الذي تطلب بناء مكتبة متواضعة نسبياً تقتني أكثر من 1200 مجلد، بما في ذلك مجموعة البابا نيكولاس الخامس الشخصية التي حوت مجموعة من الكلاسيكيات اليونانية والرومانية وسلسلة من النصوص التي جلبها من القسطنطينية.
تضم مكتبة الفاتيكان نحو 75 ألف مخطوطة و85 ألف نسخة من أوائل المطبوعات التي يسميها الببليوجرافيون بالإنجليزية «incunabula» أي الطبعات التي صدرت في الفترة بين اختراع الطباعة في منتصف القرنين الـ15 والـ16، بإجمالي يزيد على مليون كتاب.
يجري عرض هذه الكنوز المعرفية على الإنترنت من خلال منصة مكتبة الفاتيكان الرقمية التي تسمى «DIGIVATLIB» التي تختصر بـ«DVL». ويمكن من خلال هذه المنصة البحث في فهرس المكتبة.
من الجدير ذكره هنا أن المخطوطات العربية المعروضة التي يشتمل الوسم الخاص بها على الاختصارين Vat.ar. أي Vatican Arabic، وقد بلغ المعروض منها 269 مخطوطة، وفقاً للدليل المختصر الذي أعده موقع الكاتبدار.
قرآن في مكتبة الفاتيكان
ورغم أن مكتبة الفاتيكان مكتبة مسيحية بطبيعة الحال فإن التراث الإسلامي له مكان بارز ضمن مقتنياتها. وفي مقدمة هذا التراث الإسلامي تلك المخطوطات القرآنية الكثيرة التي تحتفظ بها المكتبة. ومع أن أغلب المخطوطات المتاحة عبارة عن قطع قرآنية لا تشتمل على القرآن كاملاً من الفاتحة إلى الناس، إلا أن هذا المخطوط القرآني يستحق أن نقف معه ونستمتع بجماله بغض النظر عن الدخول في تحليلات فنية وعلمية.
اتسم هذا المخطوط بافتتاحه بديباجة تتضمن تحلية أول صفحتين منه بإطارات زخرفية أخاذة تحيط بالنص المكتوب. وتتشابه هذه الديباجة مع ديباجات مخطوطات مصاحف تركية تناولها ممدوح محمد السيد حسنين في دراسته «نشرٌ لست افتتاحيات مصاحف مخطوطة بمكتبة الأوقاف المركزية للمخطوطات الإسلامية بالقاهرة: دراسة أثرية فنية مقارنة» (ص 762).
هذا المخطوط الذي كُتب بخط نسخي جميل لا نعرف من ناسخه ومتى وأين نُسخ؛ إذ لا يشتمل في نهايته على بيان الفراغ الذي نجده عادة في نهايات المخطوطات العربية ويتضمن مثل تلك البيانات.
إضافة إلى هذا المخطوط تُوجد العديد من القطع القرآنية الأخرى من بينها قطعة تتضمن توضيحاً لقراءات مختلفة لبعض الآيات القرآنية بطريقة توحي بأن ناسخ هذا المخطوط كان يقارن اختلاف قراءتين قرآنيتين من خلال مخطوطتين إحداهما على رق (جلد) والأخرى على ورق.
فعلى الورقة رقم XIII من المخطوط نجد ما نصه: «في سورة الممتحنة يُقال في الورق «لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة» وفي الرق يُقال «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»». هذه القطعة مكتوبة على حجم ورق صغير مما يُعطي انطباعاً بأنها كُتبت للتبرك وليس للقراءة.
أحاديث نبوية في الفاتيكان
وتحتفظ المكتبة بمخطوط أندلسي يضم مجموعة من الأحاديث النبوية. هذا المخطوط وفقاً لصفحة عنوانه (ورقة 3 وجه): «سفر فيه عشرون جزءاً يشتمل على فوائد الحافظ العلامة المحدث التاريخي أبي القاسم بن بشكوال، رحمة الله عليه».
هذا المخطوط يبدو أنه كان كتاباً دراسياً كما يشير إلى ذلك قيد وقف مدون على صفحة عنوانه أيضاً: «حُبس على المدرسة المباركة بمدينة غرناطة حرسها الله تعالى وعمرها بذكره بمنه وكرمه».
ويختتم الناسخ المخطوط بقيد الفراغ: «آخر الجزء الموفى عشرين والحمد لله كثيراً كما هو أهله وصلى الله على محمد نبيه وعبده وسلم وشرف وكرم وبكماله كمل السفر والحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً، وكان الفراغ منه في عصر يوم الأحد الثاني والعشرين لربيع الآخر عام أربعة وسبع مائة، وكتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه الراجي مغفرته وعفوه محمد بن غالب بن محمد بن أحمد بن عمر الحضرمي المشرقي غفر الله ذنبه وستر عيبه وختم بخير الخواتم عمله بمنه وفضله لا رب غيره ولا معبود سواه وسلام على عباده الذين اصطفى».
الأنوار المحمدية في الفاتيكان
وفي المكتبة مخطوط آخر يُفتتح بـ«بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعليه وآله وسلم كتاب الأنوار المحمدية تأليفي أبو الحسن عبدالله البكري رحمة الله عليه. قال أبو الحسن عبدالله البكري قال أبو محمد العباس...سألنا كعب الأحبار وهو يصف الإسلام فلم أجد رجلاً أنصف منه للأخبار فسألته عن بدو رسول الله فحدثني بدو أمره في سابق علم الله...».
وعن ناسخ المخطوط ومكان وزمان نسخه فليس لدينا معلومات، وذلك لعدم توفر بيان الختام الذي يشتمل على هكذا معلومات في آخر المخطوط. وهذا المخطوط هو غالباً نسخة من كتاب «الأنوار في مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم» الذي تتوفر منه نشرة نقدية مطبوعة.
حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الفاتيكان
تقتني مكتبة الفاتيكان مخطوطة من كتاب «جواهر القرآن ودرره» لأبي حامد الغزالي ويفتتح الناسخ المخطوطة مقدماً الكتاب ومؤلفه للقارئ، «بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله. قال الشيخ الإمام حجة الإسلام موضح الطريقة للأتقياء ومبين أسرار الشريعة للعلماء أبوحامد رحمه الله».
ثم يشرع الناسخ في تبيان اسم الكتاب وفصوله: «فصل في تسمية فصول الكتاب سماه جواهر القرآن ودرره ورتبه على ثلاثة أقسام: قسم في المقدمات والسوابق وقسم في المقاصد وقسم في اللواحق». واختتم الناسخ المخطوط ببيان ختام لا يعطينا معلومات عن مكان وزمان واسم ناسخ المخطوط: «نجز بحمد الله وعونه والسلام على سيدنا ومولانا محمد آمين».
مواعظ إسلامية في الفاتيكان
كذلك تحوي مكتبة الفاتيكان مخطوطاً مكتوباً بخط مغربي عنوانه «زا د الواعظ وروض الحافظ» كما هو مدون على صفحة عنوانه وفي خاتمته (ورقة 98 وجهاً).
والمخطوط كما يشير عنوانه وكما يتبين عند تصفحه هو في فن الوعظ والخطابة وما يلزم المشتغل بهذا المجال من معارف. فمن أبوابه مثلاً «باب ما يجب على الواعظ استعماله واستخدامه» (ورقة ستة وجه).
يفتتح الناسخ المخطوط مقدماً محتواه للقارئ: «بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً قال المؤلف رضي الله عنه وأرضاه» أما بعد حمد الله والصلاة على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، فإنني لما عُنيتُ بالخطابة على المنابر وبالوعظ على رؤوس العلماء الأخيار أخذت نفسي بمطالعة الكتب الموضوعة بهذا الشأن طالعت... وشفاء الصدور لأبي بكر التقاشي...».
ثم واصل المؤلف يسرد الكتب التي قرأها في هذا الموضوع وكأنه يراجع الأدبيات العلمية في المجال الذي يكتب فيه على نحو ما نفعل في البحث العلمي في وقتنا الحاضر (ورقة ظهران).
بعدها يختتم ناسخ المخطوط ببيان الفراغ «كمل كتاب زاد الواعظ وروض الحافظ بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين وبالله تعالى يثق وعليه يتوكل ناسخه بخط يده الفانية أحمد بن قاسم بن أحمد بن الحسن بن عمر كميسان لطف الله به ورحم والديه وجميع المسلمين والحمد لله رب العالمين».
ولا يحدد لنا الناسخ هنا مكان وزمان نسخ هذا المخطوط.
فقه الإمام مالك
وفي الفقه المالكي يوجد في مكتبة الفاتيكان مخطوط مغربي مسجل على صفحة عنوانه: «كتاب الكافي في الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس، رضي الله عنه، تأليف الفقه المرحوم أبو عمر بن عبدالله بن محمد بن عبد البر النميري، رضي الله عنه وعفا عنه».
وعلى ذات صفحة العنوان يوحد «باب تسمية أبواب الكتاب» ثم يُسرد تحت هذه العنوان أسماء الأبواب: كتاب الوضوء وكتاب الصلاة وكتاب الجنائز وكتاب الزكاة إلخ (ورقة ثنائية الوجه).
وقيد الناسخ بيان فراغ المخطوط في نهايته، «كمل كتاب الكافي بحمد الله وحسن عونه وتأييده ونصره وكان الفراغ منه في العشر الأول من شهر شعبان في العام تسعة وأربعين وثمانمائة وكان فراغه على يدي العبد الفقير إلى رحمة ربه تعالى أبي الخليل إبراهيم القلبي خطيب في الجامع الأكبر في مدينة طرسونة . كتبه لنفسه ثم لمن شاء الله من بعده راغباً إلى الله تعالى إن أخرجه الله من أرض الكبائر والضلالة ورده إلى أرض الإسلام والهداية ...».
وهنا يحدد الناسخ اسم ناسخ المخطوط ومهنته ومكانه وغرض نسخه (لنفسه) وزمان النسخ.
إخوان الصفا في الفاتيكان
ومن مخطوطات الفاتيكان الإسلامية جزء من رسائل إخوان الصفا، ويبدأ هذا الجزء بـ«اعلم أيها الأخ المبارك أيدك الله بروح منه أنه ينبغي لطلاب العلوم والباحثين عن حقائق الأشياء أن يعرفوا أولاً ما العلم، وما المعلوم، وعلى كم وجه يكون السؤال، وما جواب كل سؤال حتى يدروا ما يسألون، وما الذي يجاوبون ...».
ويختتم الناسخ، وهو راهب مصري صعيدي، هذا الجزء بـ«تم الكتاب بعون الملك الوهاب والحمد لله وحده. علقه بيده الفانية تراب أقدام الرهبان استيفانوس أحد رهبان دير المخلص، وذلك في الصعيد بأخميم سنة 1762 مسيحية».
قصص أنبياء تبدأ بإسماعيل وفضل محمد
أيضاً تحتفظ المكتبة بمخطوط يتضمن جوانب من قصص الأنبياء. يستفتح هذا المخطوط بـ«الحمد لله الذي أبدع بحكمته جميع المخلوقات ... وأشهد ألا إله إلا الله شهادة إخلاص ويقين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله».
ويأتي بعد ذلك «الفصل الأول في ذكر إسماعيل، عليه السلام وبنيه» والفصل الثالث من المخطوط في « فضل محمد، عليه السلام، وذكره في التوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام وفيه خمسة أبواب».
والكتاب يبدو أنه من تأليف أحمد بن محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي الطَلَمَنْكي (340 هـ-429 هـ)، كما يدلنا على ذلك قيد الفراغ الذي في آخر هذا المخطوط، «تم الجزء الخامس من كتاب الطلمنكي».
شيخ أزهري يشرح النحو في الفاتيكان
النحو كما هو معلوم هو من جملة العلوم العربية اللازمة لفهم القرآن الكريم، وبناء على ذلك فهو علم من العلوم الإسلامية. ومن مخطوطات النحو المحفوظة في مكتبة الفاتيكان مخطوط في النحو العربي.
وبيانات المخطوط وفقاً لما جاء على صفحة عنوانه «كتاب شرح الآجرومية للشيخ الإمام العلامة زين الدين خالد عبدالله بن أبي بكر الأزهري». وأوضح ناسخ المخطوط كما هو مدون في بيان ختام الكتاب «الفراغ من تصنيف هذا الشرح بعد عصر الجمعة أول يوم من رجب الفرد سنة سبع وثمانين وثمانمائة».
ولتشجيع قارئ المخطوط وتحفيزه على دراسة النحو بتذكيره بأهميته، كتب الناسخ على الصفحة التي تسبق صفحة العنوان الأبيات التالية لعلي بن حمزة الكسائي:
إنما النحو قياس يُتبع وبه في كل خير يُنتفع
فإذا ما أبصر النحو الفتى مر في المنطق مراً فاتبع
فاتقاه كل من جالسه من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى هاب أن ينطق حرفاً فانقطع
وتراه يخفض الرفع وَمَا كان من جر ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما صرف الإعراب فيه وصنع
والذي يقرأه يعرفه فإذا ما شك في حرف رجع
ناظراً فيه وفي إعرابه فإذا ما عرف الحق صَدَع
القاموس في المحيط
كما يوجد جزء من المعجم الشهير «القاموس المحيط» تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي الشيرازي، ويبدأ ناسخ هذا المخطوط بتحفيز القارئ على قراءة المخطوط من خلال ما كتبه على صفحة عنوانه من بيتين:
أيا طالباً لكلام العرب ومبتغياً فيه نيل الأرب
عليك بهذا الكتاب الذي ترقى من الفضل أعلى الرتب
ثم كتب الناسخ بعد هذه الأبيات عنوان الكتاب مختصراً «كتاب القاموس». ويختتم الناسخ هذا الجزء بـ«آخر باب الزاي من القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغات العرب شماطيط.
تم المجلد الأول من الجزء الأول منه ويتلوه في المجلد الثاني من أول باب السين أحسن الله العاقبة وأعان على التمام وتمام ذلك كان في كانون أول سنة 1759م.